أفكار وآراء

أنسنة الإعلام وعهد يتجدد

04 فبراير 2018
04 فبراير 2018

أ.د.حسني نصر -

[email protected] -

في واحدة من أيام وليالي الإعلام العُماني الجميلة، التي سيذكرها التاريخ، وفي القاعة الكبرى المهيبة بمركز جامعة السلطان قابوس الثقافي، احتشد الإعلاميون من كل المؤسسات الإعلامية وأقسام وكليات الإعلام بالسلطنة، يتقدمهم معالي الدكتور عبد المنعم الحسني وزير الإعلام، ويشاركهم عدد من الإعلاميين العرب مساء الأربعاء الماضي، للاحتفال بملتقي الأسرة الإعلامية الثاني، الذي حمل شعارا ذي دلالة كبيرة، هو «إعلامنا عهد يتجدد».

محطات كثيرة تستحق الوقوف أمامها طويلا في هذا الاحتفال، الذي تم برعاية كريمة من صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة، والذي جعل من «أنسنه الإعلام والاهتمامات الإنسانية لوسائل الإعلام» موضوعا أساسيا له، عبر عنه بطرق جديدة ومبتكرة، لعل من أهمها ذلك العمل المسرحي الموسيقي الهادف «عهد» الذي لخص في قالب درامي جذاب فلسفة الإعلام العماني ومنطلقاته الإنسانية التي تقوم على الانتصار للإنسان والشؤون الإنسانية، والدعوة إلى السلام والاستقرار، ونبذ العنف والتطرف بكل أشكاله.

والواقع أن فقرات الحفل، التي امتدت لنحو ثلاث ساعات تقريبا - كانت كلها مهمة ومبدعة وإنسانية، خاصة معرض الصور الذي خصص لمجموعة من اللوحات تسجل جانبا من حضور السلطنة قيادة وشعبا وتاريخا في الصحف العالمية خلال القرن العشرين. وكان من الجميل أن يتضمن المعرض صورا، ربما تنشر لأول مرة، تسجل بعض المقابلات الصحفية النادرة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، حفظه الله ورعاه، في صحف عربية وعالمية، إلى جانب عدد من الموضوعات الصحفية التي نشرتها كبريات الصحف العربية والعالمية وتناولت الشأن العماني، وركزت على الإنسان العماني. وقد دشن الملتقى خمسة كتب جديدة أصدرتها الوزارة في إطار إسهاماتها في مجال النشر تتناول التصوير الضوئي، ورواد الصحافة العمانية، والمواطنة. وبين الافتتاح والختام كرم الملتقى عددا من رواد الصحافة والإعلام في السلطنة الذين أسسوا صحفا ومجلات في بدايات عصر النهضة، وأسهموا في انطلاقة الإعلام العماني، كما كرم الفائزين بجوائز الإجادة الصحفية لهذا العام، والمؤسسات الإعلامية التي شاركت في تغطية فوز منتخب السلطنة لكرة القدم بكأس الخليج التي أقيمت بدولة الكويت في ديسمبر الماضي، إلى جانب عدد من الإعلاميين المواطنين والعرب، وطلاب الإعلام الفائزين بجوائز إقليمية ودولية.

ما أريد أن أتوقف أمامه في هذا المقال هو كشف الحساب السنوي الشامل الذي قدمه معالي الدكتور وزير الإعلام في كلمته التي توسطت على غير العادة العمل المسرحي وتحولت إلى جزء منه وتناغمت مع مجرياته. في هذا الكشف تستطيع أن تقرأ واقع الإعلام العماني ومستقبله بوضوح، فقد شهد العام الماضي إنجازات إعلامية بارزة أشار إلى بعضها معالي الدكتور وزير الإعلام، ويستحق كل منها مقالا منفردا يحللها ويوضح دورها في تعزيز مسيرة استكمال متطلبات تطوير الإعلام العماني ليتناغم مع متطلبات استدامة النهضة العمانية الحديثة، بعد أن نجح بشهادة الجميع في أداء دوره الطليعي في دعم مسيرة النهضة والتنمية على مدى السنوات السبعة والأربعين الماضية. ولعل أول وأبرز هذه الإنجازات هو توقيع الإعلاميين في السلطنة على أول ميثاق لأخلاقيات العمل الإعلامي، يحدد حقوق وواجبات الإعلاميين تجاه وطنهم ومواطنيهم وتجاه مهنتهم وزملائهم، وهو الميثاق الذي جاء نتاج جهود طويلة وتعاون مثمر بين ثلاثة أطراف فاعلة في المنظومة الإعلامية العمانية، وهي جمعية الصحفيين العمانية، والمؤسسات الإعلامية، وقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس. وسوف يبقى هذا الميثاق الذي تم إعلانه والتوقيع عليه في محفل علمي دولي تمثل في المؤتمر الدولي العلمي الثاني لقسم الإعلام بالجامعة الذي عقد نهاية أكتوبر وبداية نوفمبر الماضيين، معلما من معالم دخول الإعلام العماني عهد جديد من الحرفية، ودليلا على قرب اكتمال الإطار التنظيمي لمهنة الإعلام، والذي يشمل التنظيم القانوني إلى جانب التنظيم الذاتي.

ويتمثل الإنجاز الثاني الذي تحقق للإعلام العماني في العام الماضي في تدشين أول مركز في السلطنة لاتصالات الخدمات الحكومية، وهو المركز التابع للأمانة العامة لمجلس الوزراء، والذي تم إنشاؤه بشراكة استراتيجية مع وزارة الإعلام والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وقد تم الإعلان عنه في المنتدى الأول للتواصل الحكومي الذي عقد في الأسبوع قبل الأخير من أكتوبر الماضي. وقد قلنا - في مقال سابق وقت تدشين هذا المركز المهم- إنه سوف يجمع الجهود الاتصالية المتفرقة لمختلف الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية في بوتقة واحدة تمهيدا لأن يقوم بدور ومسؤولية الناطق الرسمي باسم الحكومة والمعبر عن سياساتها ورؤيتها لمختلف الأحداث والقضايا، والحامل لمبادراتها وحملاتها الاتصالية والتوعوية.

الإنجاز الإعلامي الثالث الذي سيكون له مردودات إيجابية كثيرة على الإعلام العماني في قادم الأعوام هو مركز التدريب الإعلامي الذي صدر المرسوم السلطاني بإنشائه في التاسع من يناير من العام الحالي، وهو أيضا، كما قال وزير الإعلام، جاء نتاج شراكة وتعاون بين الوزارة وهيئة الإذاعة والتلفزيون وجامعة السلطان قابوس. وغني عن القول إن إنشاء مركز التدريب الإعلامي يؤسس لتحول مهم في تاريخ الإعلام العماني، قائم على ترسيخ المهنية وتأهيل الإعلاميين العمانيين للقيام بمهامهم المتعددة في عصر اندماج وسائل الإعلام. وإلى جانب الإنجازات الثلاثة الكبيرة التي أكد عليها وزير الإعلام، والتي تمثل نقلة نوعية من شأنها أن تعزز قدرات الإعلاميين وتطور مستوى الأداء الإعلامي ليواكب التطور العالمي المتسارع في هذا المجال، فإن مما يحسب لوزارة الإعلام ذلك الاهتمام الكبير بتتبع ورصد كل ما ينشر عن السلطنة في وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية، ومن هذا المنطلق أنشأت الوزارة خلال العام الماضي مركز الإعلام المجتمعي الذي من المقرر أن يتولى بطرق علمية منهجية متطورة مهام رصد وتحليل ودراسة المحتوى الإعلامي في كل منصات النشر العالمية، وتوفير المعلومات والبيانات التي يحتاج إليها صانع القرار في مؤسسات الدولة المختلفة. وربما يشجع نجاح هذا المركز على تحويله إلى مركز للفكر والمعلومات شبيه بالمراكز الاستراتيجية التي أنشأتها دول كثيرة في العالم لدعم اتخاذ القرار الحكومي وبناء القدرات الوطنية في هذا المجال.

من حديث الإنجازات انتقل وزير الإعلام إلى الحديث عن المستقبل، وتحديدا برنامج الإنجازات المتوقع تحقيقها بإذن الله خلال العام الحالي، والذي يتضمن تفعيل مركز التدريب الإعلامي، من خلال البدء في دراسة الاحتياجات التدريبية للمؤسسات الإعلامية ودوائر الإعلام والعلاقات العامة بالوزارات والهيئات المختلفة، وبدء التحضير لإنشاء أول مكتبة متخصصة في الإعلام العماني تجمع كل ما نشر عنه من كتب وبحوث ورسائل ماجستير ودكتوراة، لتكون مرجعا للباحثين في هذا المجال، إلى جانب بدء العمل في تأسيس متحف للإعلام العماني يجمع كل التراث المادي الذي يروي قصة نشأة وتطور وسائل الإعلام في المجتمع العماني، وتنظيم ندوة متخصصة عن الإعلام والطفل والمستقبل. وقد اسعدنا إعلان الوزير استمرار جائزة الإجادة الإعلامية هذا العام مع تخصيص الدورة الجديدة لمختلف فنون الإبداع في مجال الإذاعة والتلفزيون، إلى جانب استحداث جائزة للبحوث العلمية التي تتناول الشأن الإعلامي العماني، وهو ما يعزز التنافس البناء من أجل تقديم منتج إعلامي وبحثي متميز يستفيد منه الإعلام العماني.